
كتب صلاح الدين بولعيش .
الفن والفلسفة .. سؤال "ما علاقة الفن بالفلسفة؟" طالما كان سؤالا ملتبسا ، زاد من إلتباسه في الأفهام ، أنه حظي بمجموعة من التفسيرات والإجابات الفلسفية المختلفة ، كما أن الفلسفة وعلى مختلف مراحلها التاريخية لم تخل من إنتقاص وتعال على الفن ، ولكن تجد في كثير من الـأحيان أن الفن أيضا حضي بما لم تحظى به الفلسفة في عصرنا، حتى في مجال حقيقة الوجود وإدراك العالم ، هناك فلاسفة إنتقدو الفن وهناك من مجدوه ، نذكر منهم أفلاطون الذي كان يعتبر الفن وهما ويقول لا يمكن للفنان أن يكون شخصا مفيدا لمجتمعنا وهو يمارس الوهم ، بإعتباره الفن وهم والفنان ممارس للوهم ، ونجد فلاسفة قبل سقراط مثل هيراقليط وبرمنيد وأمباذوقليس... لم يكونو مستهجنين للأسلوب الفني ، وخير دليل ، كتاباتهم الفلسفية التي كتبت على شكل شعر ، بحيث لم يعتمدو على النثر في كتاباتهم ولجؤوا للشعر في صياغة نصوصهم الفلسفية !
ترى ما سبب هذا اللجوء المتعمد إلى الفن الشعري للتعبير عن المعرفة الفلسفية؟
أظن أن هذا لم يكن مجرد إنتهاج لنمط في التعبير ، بل إنه كان خيارا إبستمولوجيا ، حيث كانت رؤاهم الفلسفية العميقة في المعنى والتي كانت تتحقق من سر الكينونة والوجود مرغمة على توسل الخطاب الشعري لما يتيحه من إيحاء ولغة إشارية ثرية في إمكاناتها الدلالية.
أظن أن الفن والفلسفة إذا تداولهما مجتمعنا وإتخذهما على محمل الجد فستكون تلك هي بداية تقدم الوطن العربي بمجمله ، فإذا كانت الفلسفة والفن أحدثا تغييرا جذريا كبيرا في أوربا فكيف لا يكون هناك تغيير جذري بمجتمعاتنا إذا تحقق الإيمان بالفلسفة (الإسلامية) والفن ، وربما تساءلت عزيزي القارئ عن سبب إضافتي "إسلامية" أمام كلمة "فلسفة" ؛ سأجيبك موضحا بأننا لو إستخدمنا الفلسفة الغير الإسلامية والفن ، فلربما إذا طبقتا على المجتمع سنحصل على مجموعة من النتائج التي سبق ووصل إليها المجتمعات الأجنبية الغير المسلمة ، والتي توصلت بالطبع إلى أشياء محايدة عن الإسلام ...
دعني الآن من التحدث عن الفلسفة كعلم جامع لمجموعة من العلوم ، ونتطرق إلى فرع من فروع الفلسفة والذي إرتبط إرتباطا حقا بالفن .
الإستطيقا والفن
وتعرف الإستطيقا بعلم الجمال ، وهو علم لطالما إرتبط بالفن كمجال للتعبير الذاتي وكمجال ميتافيزيقي ، حيث أن الإستطيقا تعريف نقدي للفن والطبيعة والثقافة ، فالإستطيقا لا يمكن بأن تنصب أمام عمل فني إلا بحضور الشعور الإستطيقي الذي ينتاب مشاهد العمل الفني ؛ يمكن أن نقول بأن الإستطيقا تحليل ونقد لعمل فني معين ...
إذا كانت الإستطيقى فرع من فروع الفلسفة والميتافيزيقا أيضا كفرع من فروع الفلسفة ، وإذا كانت الإستطيقى نقدا وتحليلا لعمل فني معين ، فإنه حتما توجد علاقة بين الفن والإستطيقا وقمنا بتوضيح ذلك عن طريق العثور على فرع من فروع الفلسفة يشمل كل من الفن والثقافة والطبيعة ، وأيضا بإيجاد علاقة قوية بين الفيلسوف القديم وفن الخطاب الشعري .
إذن فعلاقة الفن بالفلسفة هي علاقة قوية ، بحيث يكون فرع من فروع الفلسفة معيار لقياس جمالية العمل الفني وتقوم بنقد العمل الفني وتحليله .
ـ فنان تشكيلي